محمد مرسي .. وأبو عبد الله الصغير :
30 / 6 / 2015
أبو ياسر السوري
=========
لو حمل إخوتنا المصريون في ثورتهم السلاح من اول يوم ، لما بقي أحد من الدولة العميقة ، التي خدعتهم بأساليبها الشيطانية ، التي تدربت عليها ، وأتقنتها وتمرست فيها .. فامتصت عنفوان الثورة باستقالة مبارك ، واستلام العسكر لزمام الحكم .. وتلك خطوة ماكرة لم يفطن لها ابناء الثورة . وكان عليهم أن يعرفوا أن حسني " مبارك " الذي ثاروا عليه وأسقطوه ، ما جاء به إلى الحكم سوى العسكر . وحين يتنازل عن الحكم للعسكر فهذا يعني أنه لن يخلفه إلا واحد منهم ..
وكان المطلوب من الإخوان بعد وصولهم إلى الحكم ، أن يعلموا أن العسكر القديم هم شركاء مبارك في فساده واستبداده . وأنهم لن يسلموا رقابهم للمحاكم الثورية التي سوف تسأل كلا منهم " لم ظلمت هذا وهذا ؟ ومن أين لك هذه وهذا .؟ " ..
إن العسكر في مصر ، كانوا يعلمون أن الشعب الذي ثار على حكمهم ، لن يقبل إلا برئيس مدني منتخب ، فقبلوا بالانتخابات على مضض ، ولكنهم لم يجلسوا حيالها عاجزين ، وإنما حاولوا الالتفاف عليها بتلميع مرشحهم أحمد شفيق ، وهو عسكري نزع بزته ليستلم منصب رئيس وزراء لدى مبارك أثناء الثورة ، في محاولة لتهدئة الثوار المطالبين بالتغيير ... نعم لقد قامت الدولة العميقة بترشيح أحمد شفيق لمنصب الرئاسة ، بعد تنحي مبارك ، وكانوا شبه واثقين بفوزه في الانتخابات ، ولكنهم فوجئوا بفوز محمد مرسي .. ولو نجح شفيق لسارت الأمور بسلام ولم يتغير في مصر شيء عما كان ، سوى أن الضابط الطيار "حسني مبارك" الذي أطيح به ... قد عاد في عباءة الضابط الطيار " أحمد شفيق " وأن العسكر خرجوا من الباب ، ليعودوا إلى حكم مصر من الشباك ..
ولكن الرياح جرت بعكس ما يشتهي العسكر ، فقد فاز محمد مرسي بالانتخابات . على الرغم من المحاولات المستميتة لتزييف تلك الانتخابات ، والمجيء بأحمد شفيق رئيسا ، فلم يفلحوا ، وفاز محمد مرسي .. وحدث ما لم يكن بالحسبان ، فلأول مرة في تاريخ مصر ، يتسلم رئاستها رجل منتخب من ابنائها ، يدعو إلى حكم مؤسساتي دستوري ، وينادي بمحاربة الاستبداد والفساد ، ويرفع شعار الحرية والديمقراطية ، ويتبنى القضايا العربية ، ويصرح بأن مصر قد استعادت قرارها المنتزع منها منذ مئات السنين ..
لا شك أن هذه التصريحات كانت تبشر بإن قطار مصر بات على سكة عهد جديد ، وأن مصر بصدد العودة إلى دورها القيادي الريادي في الأمة العربية .. ولعل هذا هو ما أثار عليها عش الدبابير . وحرك كل القوى الداخلية والخارجية إلى محاربة هذا العهد الناشئ  ، ووأد الصحوة المصرية في مهدها .. فما زال أعداء التغيير يضعون العصيَّ في العجَل ، حتى كان لهم أخيرا ما أرادوا ... ورجعت مصر إلى حكم العسكر ، الذي بدا وكأنه قدرٌ للمصريين لا مفر من دونه . فاختطف الرئيس المنتخب محمد مرسي ، وعَيَّن مختطِفُه نفسه رئيسا بديلا لمصر .. فما كان رد الثوار على اختطاف الرئيس بغير الاعتصام في ميدان رابعة العدوية .!! ووقوف المرشد العام للإخوان المسلمين ليقول للمعتصمين هناك " سلميتنا أقوى من الرصاص . أقوى من الدبابات ومن المصفحات  "
ولم يمر على ذلك سوى ايام ، حتى كان صوت الرصاص – بكل أسف وحزن -  أعلى من هتاف السلميِّين . فأبيد منهم الألوف ، واعتقل الألوف ، وعذب الألوف ، وعاد عهد الملاحقات والاعتقالات والسجون والزنازين .. ونصبت أعواد المشانق للأحرار من جديد .  وعاد الحكم لسطوة الدبابة ، وهدير الطائرة الحربية ، وفوهة المدفع وراجمات الصواريخ .. ومن أبى فلا جواب له سوى السجون وعذاب الهون .
وهكذا ، وبعد نضال استمر أكثر من 65 عاما ، تكلل بالظفر بحكم مصر ، وتفاءلت به الأمة ببزوغ فجر جديد ، ولكن الحكم لم يلبث في ايدينا سوى أشهر يسيرة  . لأننا لم نختر سياسة الناس بطريقة الطغاة ، وإنما اخترنا سياستهم بروح الدعاة ، وفاتنا أننا نحكم في عصر الشياطين ، وليس في عصر الراشدين .. ولو أننا أمسكنا زمام الحكم بعزيمة المنصور وسطوة الرشيد ، لما استنسر علينا البغاث ، وتعملق الأقزام ، ولما كان المشهد المؤسف المبكي ، الذي أعاد إلى الذاكرة مشهد أبي عبد الله الصغير ، وهو يودع قصور الحمراء في غرناطة باكيا مستعبرا .. فتقول له أمه " ابك يا بني كالنساء ملكا مضاعا ، لم تحافظ عليه كالرجال "